الاثنين، 31 ديسمبر 2012

شهادة غير المسلمين على صدق نبوة الرسول (2)


شهادة قريش لرسول الله

بل وقد اعترفت قريش بسائر بطونها بأنه صادق أمين، وهو أمر لا يستقيم لأيِّ أحد من الناس أن تجتمع القبيلة بكاملها على صدقه وأمانته، رغم الاختلافات الاجتماعية والنفسية بين أفرادها الكثيرين؛ ففي يوم من الأيام "خرج رسول الله  حتَّى أتى الصَّفَا، فصَعِدَ عليه فهتف: "يَا صَبَاحَاهُ"... فَلَمَّا اجتمعوا إليه قال: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قالوا: ما جَرَّبنا عليك كذبًا. قال: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ". فقال أبو لهبٍ: تبًّا لك! مَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا؟..."[15].
إن قريشًا كلَّها قد شهدت واعترفت بصدق محمد ، فلمَّا أخبرهم بحقيقة دعوته ورسالته، نَكَصُوا على أعقابهم[16]؛ تقليدًا لآبائهم، وخوفًا على مناصبهم وتجارتهم وأموالهم، فكان هذا الموقف -وغيره من المواقف الكثيرة بين رسول الله  وبين كفار قريش- دليلاً يحمل في طَيَّاته اعترافًا منهم بصدقه، ومن ثَمَّ صِدْق دعوته ونُبُوَّتِهِ.

اعتراف زعماء يهود بصدق نبوة محمد

كما اعترف زعماء اليهود بصدق نبوة محمد ، وهذا ما تقصه أم المؤمنين صفية بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ زعيم يهود بني قريظة فتقول: "كنت أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمِّي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلاَّ أخذاني دونه. قالت: فلما قَدِمَ رسول الله  المدينة، ونزل قُبَاء في بني عمرو بن عوفٍ، غدا عليه أبي، حيي بن أخطب، وعمِّي أبو ياسر بن أخطب، مُغَلّسَيْنِ[17]. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت: فأتيا كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت: فَهَشِشْتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفتَ إليَّ واحدٌ منهما، مع ما بهما من الغمِّ. قالت: وسمعت عمِّي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو[18]؟ قال: نعم والله! قال: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيتُ"[19].

اعتراف نصارى نجران بنبوة محمد

وما أجمل أن نختم مقالنا هذا باعتراف نصارى نجران بنبوة محمد  عندما رفضوا مباهلة[20] رسول الله  الذي امتثل لقوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[آل عمران: 61]؛ فخرج إليهم رسول الله  ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، ودعاهم للمباهلة فقالوا: يا أبا القاسم، دَعْنَا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه. فانصرفوا عنه، ثم خَلَوْا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبدَ المسيح، ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرَفْتم أن محمدًا لنبيٌّ مرسل، ولقد جاءكم بالفَصْل من خَبَر صاحبكم[21]، ولقد علمتم أنه ما لاعَن قومٌ نبيًّا قط فبقي كبيرهم، ولا نبت صَغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعُوا الرجلَ ثم انْصَرِفُوا إلى بلادكم[22].
المراجع
[15] البخاري عن ابن عباس: كتاب التفسير (4687)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ" (208).
[16] نَكَصَ على عقبيه: رجع عما كان عليه من الخير، ولا يقال ذلك إلاَّ في الرجوع عن الخير خاصَّة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نكص 7/101.
[17] الغَلَس: ظلام آخر الليل. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة غلس 6/156.
[18] يقصد بذلك رسول الله .
[19] ابن هشام: السيرة النبوية 1/517.
[20] المباهلة: الملاعنة، يقال: باهَلْت فلانًا أَي لاعنته. ومعنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنةُ الله على الظالم منا. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة بهل 11/71.
[21] يقصد عيسى .
[22] انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/584.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق