شهادة وقصة إسلام عبد الله بن سلام
وقد تَكَرَّرَ نفس الأمر عند إسلام الحَبْر اليهودي عبد الله بن سَلاَم[10]، فيروي قصة إسلامه بنفسه قائلاً:
"قال: لمَّا سمعتُ برسول الله وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كُنَّا نَتَوَكَّفُ[11] له، فكنتُ مُسِرًّا بذلك صامتًا عليه حتى قَدِمَ رسول الله المدينة، فلمَّا قَدِمَ نزل بقُبَاء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رَجُلٌ حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعَمَّتِي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلمَّا سَمِعْتُ الخبرَ بقدوم رسول الله كَبَّرْتُ، فقالت عَمَّتِي حين سمعتْ تكبيري: لو كنتَ سمعتَ بموسى بن عمران ما زدتَ. قلت لها: أي عَمَّة، هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه[12]، بُعِثَ بما بُعث به. فقالت له: يابن أخي، أهو النبي الذي كنا نُخْبَرُ به، أنه يبعث مع بعث الساعة؟ قال: قلتُ لها: نعم. قالت: فذاك إذن.
قال: ثم خرجتُ إلى رسول الله ، فلمَّا تَبَيَّنْتُ وجهه عرفت أنه ليس بوجهٍ كذاب. وفي رواية أخرى يقول عبد الله بن سلام: أتيتُ النبي فقلتُ له: إني سائِلُكَ عن خِلالٍ لا يعلمهُنَّ إلاَّ نبي: ما أوَّل أشراط الساعة؟ وما أوَّل طعام أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ وما هذا السواد الذي في القمر؟ قال: "أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا". قلت: جبريل؟ قال: "نَعَمْ". قلت: عَدُوّ اليهود من الملائكة. ثم قرأ: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97]، قال: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَخْرُجُ عَلَى النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ تَسُوقُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ، وَأَمَّا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ فَإِنَّهُمَا كَانَا شَمْسَيْنِ"، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء: 12] "فالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ". فقال: أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله.
ثم رجع إلى أهل بيته فأمرهم فأسلموا، وكتم إسلامه، ثم خرج إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن اليهود قد علمتْ أني سيدهم وابن سيدهم، وأَعْلَمَهُمْ وابن أعلمهم، وأنهم قوم بُهُت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عَنِّي بهتوني، وقالوا فِيَّ ما ليس فِيَّ، فأُحِبُّ أن تُدْخِلَنِي بعض بيوتك. فأدخله رسول الله بعض بيوته، وأرسل إلى اليهود، فدخلوا عليه فقال: "يا معشر يهود، يا ويلكم! اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو! إنكم لتعلمون أني رسول الله، قد جئتكم بالحق فأسلموا". فقالوا: ما نعلمه. فقال: "أي رجل فيكم الحصين بن سلام؟" قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. فقال: "أرأيتم إن أسلم". قالوا: أعاذه الله من ذلك! فقال: "يابن سلام اخرجْ إليهم".
فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله حقًّا، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة؛ اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأؤمن به، وأصدقه، وأعرفه. قالوا: كذبت، أنت شَرُّنَا وابن شَرِّنَا. وانتقصوه. قال: هذا الذي كنتُ أخاف يا رسول الله، ألم أُخْبِرْكَ أنهم قوم بُهُت، أهل غدر وكذب وفجور؟ قال: وأظهرتُ إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمتْ عمتي خالدة بنت الحارث وحَسُنَ إسلامها[13].
شهادة عمرو بن العاص
ولم تكن هذه الشهادات في حياة رسول الله فقط، ولكنها كانت -أيضًا- بعد مماته ، فها هو عمرو بن العاص يقول عن رسول الله بعد وفاته وهو يصفه: "مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ، وَلاَ أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ؛ إِجْلاَلاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ، لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ"[14].
المراجع
[10] عبد الله بن سلام: هو أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، أسلم عند قدوم النبي المدينة، وكان اسمه "الحصين" فسماه رسول الله عبدَ الله. توفي بالمدينة سنة (43هـ/ 663م). انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 3/921.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق