الأحد، 20 يناير 2013

الرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم في عين العاصفة




(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) هذه الكلمة الجميلة الشجاعة قالها صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه أبي بكر الصديق وقد أحاط بهم الكفار، قالها قوية في حزم، صادقة في عزم، صارمة في جزم: لا تحزن إن الله معنا، فما دام الله معنا فلمَ الحزن، ولم الخوف ولم القلق؟ اسكن، اثبت، اهدأ، اطمئن؛ لأن الله معنا.
لا نغلب، لا نهزم، لا نضل، لا نضيع، لا نيأس، لا نقنط؛ لأن الله معنا، النصر حليفنا، الفرج رفيقنا، الفتح صاحبنا، الفوز غايتنا، الفلاح نهايتنا؛ لأن الله معنا.
لو وقفت الدنيا كل الدنيا في وجوهنا، لو حاربنا البشر كل البشر، ونازلنا كل من على وجه الأرض فلا تحزن؛ لأن الله معنا.
من أقوى منا قلباً، من أهدى منا نهجاً، من أجل منا مبدأ، من أحسن منا مسيرة، من أرفع منا قدراً، لأن الله معنا.
ما أضعف عدونا، ما أذل خصمنا، ما أحقر من حاربنا، ما أجبن من قاتلنا لأن الله معنا.
لن نقصد بشراً، لن نلتجئ إلى عبد، لن ندعو إنساناً، لن نخاف مخلوقاً؛ لأن الله معنا.
نحن أقوى عدة، وأمضى سلاحاً، وأثبت جناباً، وأقوم نهجاً؛ لأن الله معنا.
نحن الأكثرون الأكرمون الأعلون الأَعِزَّةِ المنصورون؛ لأن الله معنا.
يا أبا بكر اهجر همك، وأرح غمك، واطرد حزنك، وأزل يأسك؛ لأن الله معنا.
يا أبا بكر، ارفع رأسك، وهدئ من روعك، وأرح قلبك؛ لأن الله معنا.
يا أبا بكر، أبشر بالفوز، وانتظر النصر وترقب الفتح؛ لأن الله معنا.
غدا سوف تعلو رسالتنا، وتظهر دعوتنا، وتسمع كلمتنا؛ لأن الله معنا.
غدا سوف نسمع أهل الأرض روعة الأذان، وكلام الرحمن، ونغمة القرآن؛ لأن الله معنا.
غدا سوف نخرج الإنسانية، ونحرر البشرية من عبودية الوثنية؛ لأن الله معنا.
هذه كلمات قالها رسولنا صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وهما في الغار وقد أحاط بهما الكفار من كل ناحية، وطوقهما الموت من كل مكان، وأغلقت الأبواب إلا باب واحد، وقطعت الحبال إلا حبل واحد، وعز الصديق والقريب، وغاب الصاحب والحبيب، وعجزت الأسرة والقبيلة، وبقي الواحد الأحد الفرد الصمد، حينها قالها عليه الصلاة والسلام: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).
لا تحزن إن الله معنا، إذاً معنا الركن الذي لا يضام، والقوة التي لا ترام، والعزة التي لا تغلب، وما دام الله معنا فممن تخاف وممن تخشى وممن ترهب؟ فهو القوي العزيز، وهم الضعفاء الأذلاء، ما دام الله معنا فلا تأسف على قلة من عدد، أو عوز من عتاد، أو فقر من مال، أو تخاذل من أنصار، إن الله معنا وكفى، معنا بحفظه ورعايته، بقوته وجبروته، بكفايته وعنايته بدفاعه فلا تحزن، إن أعظم كلمة في الخطب وأشرف جملة في الكرب هي هذه الكلمة الصادقة الساطعة: لا تحزن إن الله معنا.
وسر هذه الكلمة في مدلولها وعظمتها في معناها يوم تذكر معية -الله عز وجل- وهو الذي بيده مقاليد الحكم، ورقاب العباد، ومقادير الخلق، وأرزاق الكائنات، وهذه الكلمة في زمانها الذي قيلت فيه وفي جوها المخيف المرعب وفي مكانها المزلزل المذهل لها طعم آخر وقصة أخرى، لقد جاءت في لحظة طوق فيها على المعصوم وصاحبه في الغار، وأغلق الباب وأحاط الأعداء بكل جانب، وسلوا سيوف الموت، يريدون أشرف مهجة خلقت، وأزكى نفس وجدت، وأطهر روح خلقت، فما الحيلة؟
الحيلة رفع ملف القضية وأوراق الفاجعة وسجل الكارثة إلى من على العرش استوى، ليقضي فيها بما يشاء، ولكن صاحب الرسالة ذا القلب المشرق الفياض أرسل لصاحبه أبي بكر رسالة رقيقة هادئة باسمة حانية نصها: لا تحزن إن الله معنا، فصار الحزن سروراً والهم فرجاً، والغم راحة، والكرب فرجاً، والهزيمة نصراً عزيزاً.
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تحم
عناية الله أغنت من مضاعفة
من الدروع وعن عال من الأطم
وكلمة (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، يحتاجها المسلم: فإذا تكاثف همك وكثر غمك وتضاعف حزنك فقل لقبلك: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) وإذا ركبك الدين، وأضناك الفقر، وشواك العدم، فقل لقبلك: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، وإذا هزتك الأزمان، وطوقتك الحوادث، وحلت بك الكربات، فقل لقلبك: إن الله معنا.


مقال للدكتور عائض القرني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق